•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 14 فبراير 2014

Before Midnight

كتب : عماد العذري

بطولة : إيثان هوك ، جولي ديلبي
إخراج : ريتشارد لينكليتر

من الأمور التي يعشقها المرء في السينما هي اللحظات التي يعيشها في ميلاد كلاسيكيةٍ ما ، لا يمكن لمن لم يكن هناك عند اطلاق Gond with the Wind أو The Godfather أو Pulp Fiction أن يختبر الشعور ذاته الذي عاشه أولئك الذين شاهدوا عظمة و قيمة الفيلم عند اطلاقه ، هذا الشعور يبلغ ذروته و أنت تحكي لأجيالٍ لاحقة رحلتك الجميلة مع سلسلة ريتشارد لينكليتر هذه .

مع كل فيلم يضيفه ريتشارد لينكليتر إلى هذه السلسلة يشعر المرء أن فصلاً مهماً قد اضيف الى تاريخ السينما ، هذه السلسلة فريدةٌ من نوعها ، أن تتأمل في علاقة حب جمعت بين شخصين على مدى سنواتٍ طوال ، تتركهم و تنساهم ثم تعود لتضعهم تحت المجهر مرةً كل تسع سنوات ، أن تصل إلى درجةٍ عاليةٍ من المعايشة فتصوّر فيلماً جديداً مرةً كل تسع سنوات لتأسر نضج أبطالك و طريقة تفكيرهم بما يتناسب و نضجك الشخصي و نضج ممثليك و مقدار الكيمياء التي اكتسبوها على مدى سنواتٍ من الصداقة ، و أن تجعل ذلك تجربةً حقيقيةً ممتعةً و عظيمةً و لا يمكن أن نمل منها و نستمر في انتظار فصلٍ جديدٍ منها كل تسعة أعوام لأننا أساساً نكبر معها كل تسعة أعوام ، ريتشارد لينكليتر يقبض على جوهر السينما ، يستخلصه ، و يقدمه لنا على طبق .

في الفصل الثالث من السلسلة بعد تسعة أعوامٍ على لقائهم الثاني في باريس يلقي نص لينكليتر و هوك و ديلبي نظرةً جديدةً على جيسي و سيلين ، الكاتب المشهور الآن يحاول الحفاظ على علاقته بإبنه هانك من زواجه الأول من خلال قضاء اجازة الصيف معه في جزر البيليبونيز اليونانية ، بينما رفيقة الدرب سيلين و كأنما تكتشف في هذه الإجازة التي تقضيها مع جيسي و ابنتيهما أن العمر يمضي بها و أن عليها أن تتخذ قراراً حقيقياً بخصوص مسيرتها المهنية المتعثرة .

بالتأكيد ليس هذا ما سنذهب لمشاهدته ، سنحمل في هذه المشاهدة قدراً هائلاً من الفضول لمعرفة إلى أين مضى بهما لقائهما الأخير في باريس قبل تسعة أعوام ، بالنسبة لي أجد في لحظة خروج جيسي من المطار عندما نشاهد سيلين هناك تنتظره بجوار السيارة واحدةً من أكثر لحظات السلسلة حميمية ، جيسي و سيلين لن يلتقيا مجدداً ، لأنهما لم يفترقا أصلاً ، عاشا معاً طيلة الأعوام التسعة الماضية و أنجبا توأماً من الإناث بلون الشمس ، و لأن هذا ما جرى خلال فترة غيابنا عنهم فإن ما سينتظرنا خلال هذه الإطلالة الجديدة مختلفٌ تماماً ، يتجرد النص إلى حدٍ بعيد من تبعات الماضي ، لا يحاول إعادة صياغة مفهوم الحب بمعناه الرومانتيكي كما حدث في الفصل الأول عام 1995 ، و لا يحاول أيضاً التأكد من قيمة الفرصة الثانية بمعناها الشاعري كما حدث في الفصل الثاني عام 2004 ، هو فيلمٌ عن طبيعة العلاقات التي يمكن أن نشكلها و نختبرها و نمضي من خلالها عندما نحاول الحفاظ على (الحب) من خلال (الفرصة الثانية) ، عن الأثر الذي تحدثه ممارسة الاشياء ذاتها يوماً بعد يوم على القيمة الجمالية و الرومانسية لها .

الفيلم مقدمٌ تقريباً في سبع لوحات ، تبدو الأمور من خلالها و قد تغيرت كثيراً ، جيسي يشعر بالتقصير في حق ابنه الذي يكبر بعيداً عنه بعدما قرر الانفصال عن والدته ، لذلك هو يفكر الآن بترك باريس حيث يعيش و يكتب و الإنتقال إلى شيكاغو ليكون بجواره ، و بالرغم من أنها فكرةٌ مبهمةٌ و لم تختمر بعد إلا أن سيلين ترى أن مجرد التفكير في الموضوع هو تهميشٌ و انتقاصٌ لحياتها و مسيرتها المهنية ، لا يصعب علينا من خلال الحوار الطويل الذي يمتد 13 دقيقةً في لقطة واحدة (تقريباً) في السيارة ادراك أن محور هذا النقاش و الاختلاف غير ثابت ، و هو يتمحور الآن حول هذه النقطة بسبب شعور جيسي بالذنب تجاه ابنه ، في الواقع هم يتحدثون و يخترعون المشاكل لبعضهم بشكلٍ دائمٍ و بحسب المناسبة ، هذا المشهد يقطع نصف الطريق في الإجابة عن التساؤل الذي قد يراود قراء كتاب جيسي الذي أطلق شهرته : هل لتلك القصة التي حققت نجاحاً مدوياً نهايةٌ سعيدة ؟ و هل الحلم جميلٌ لذاته ؟ أم أنه جميلٌ بالمقارنة مع ما يقودنا إليه الإستيقاظ منه ؟!

من هذه النقطة يحفر النص في منحيين ، الأول مشاعر الأربعين الذي يضخ فيها لينلكليتر و هوك و ديلبي دفعةً هائلة من الصدق و هم يعيشون بأنفسهم سن الأربعين و يتجاوزونها ، اللحظات الأخيرة في منعطفات الحياة الحاسمة ، الأمتار التي ينتابنا فيها شعورٌ قهري بأنه ما زال بإمكاننا فعل شيءٍ يجعل حياتنا مختلفةً تماماً ، و يجعل الأمور تسير بطريقةٍ أفضل مما هي عليه ، و الثاني هو ملامسة المرحلة الفاصلة بين الحب و تقبل نتائجه ، الهامش المتروك بين التأجج و الاعتياد ، و بين الإعتقاد بأن الأمور (ستكون أفضل لو سلكت ذلك المسلك) و بين أنها (ستكون أفضل مع أي مسلكٍ لم نسلكه) ، الإعتقاد المسرطن بأن (الأفضل هو الشيء الذي لم نستطع الحصول عليه) .

هذا الإعتقاد لا يدور فقط في فلك العلاقة المباشرة بين جيسي و سيلين بل يدعمه النص – و بذكاءٍ كبير – من خلال علاقة جيسي بولده ، هو من ناحية يعرّضها للمنحى الأول حيث شعور الوالد الأربعيني بأن الحياة تمضي و أن الوقت الذي قضاه مع ولده لم يكن كافياً ، و أن الأربعين هي اللحظة الأخيرة التي يمكن له أن يتدارك مسألة غيابه عن إبنٍ حصل على قبلته الأولى منذ أيام ، وطأة الأربعين ثقيلة على جيسي و هو يفكر بها جدياً ، يشعر بأن ابنه هانك دفع الضريبة الأكبر للذنب الذي لم يرتكبه ، ذات الاربعين التي تجد من خلالها سيلين أن أفكار جيسي تلك ستودي بحياتها و مسيرتها المهنية ، تعتبر أنها قدمت من أجل جيسي كل شيء و لم تحصل على أي شيءٍ بالمقابل سوى المطالبة بتضحيةٍ أخرى كالإنتقال الى شيكاغو كي يبقى جيسي بجوار ابنه على الدوام ، و في الوقت ذاته يعرّض النص علاقة جيسي بإبنه للمنحى الثاني و يعيد طرح ذات التساؤلات التي سنطرحها حول العلاقة المحورية (جيسي / سيلين) ، الشيء الذي يتمنى جيسي لو استطاع القيام به ، لو لم يقصر فيه ، بالرغم من أنه لو اتيحت له الفرصة لما كان جيداً فيه أصلاً ، ذات الأمنية التي تمناها في باريس و فيينا قبل أعوام : أن يُمنح فرصة البقاء مع سيلين للأبد ، هم الآن مع بعضهم كما أرادوا لكن ليس بالكيفية و الصورة التي تخيلوها ، ذات الكيفية التي كانت ربما لتطغى لو كان بجوار ابنه على الدوام ، النص يدمج بعبقرية نزق و وسوسة الأربعين مع التساؤل الذي يستمر في طرحه على الدوام : ماذا لو سارت الأمور بطريقةٍ مختلفة ؟ ، لذلك يبدو تساؤل جيسي الذي سيطرحه مستقبلاً (وهو سؤالٌ متوقع في جزءٍ قادمٍ من السلسلة) : ماذا لو بقيت بجوار ابني على الدوام ؟ هو ذات التساؤل الذي طرحه ثم قام بالإجابة عليه لاحقاً : ماذا لو بقيت بجوار سيلين على الدوام ؟ ، هذا الحفر في منحيين عميقين جداً يتناسبان و خصوصية المرحلة العمرية بالإضافة لخصوصية علاقة جيسي بسيلين ما كان ليتحقق برأيي لو أن الثلاثي قاموا بكتابة كافة نصوص السلسلة دفعةً واحدةً قبل 18 عاماً ، هم أتاحوا لأنفسهم فرصة النضج و اختبار تلك المشاعر بأنفسهم في سن الاربعين ليجعلوها صادقةً و حقيقيةً جداً على الشاشة .

في الجزء المتوسط من الفيلم هناك اليونان ، صحيح أنها تقوم بدور البطولة أقل مما قامت به فيينا عام 1995 و باريس عام 2004 لكن المقدار الذي نشاهده منها منطقي جداً و مدروسٌ تماماً بما يتناسب مع مقدار الرومانسية المنحسرة لدى جيسي و سيلين ، لذلك لا تبدو اليونان و كأنما تقدم ذات البعد الرومانسي للحكاية الذي قدمته فيينا و باريس ، بعد لوحةٍ لذيذةٍ للطرفين يقومان بما اعتادا القيام به طوال سنوات : جيسي يجلس هناك يناقش عمله الأدبي القادم مع اصدقائه ، بينما سيلين تهتم بالطفلتين و تعمل على تحضير طعام الغداء ، يتيح لنا النص الحصول على استراحتنا المنتظرة ، القليل من الأفكار و الأحاديث التي يمكن أن نستشف منها نحت الزمن في جيسي و سيلين على مدى تسعة أعوامٍ من الارتباط ، في مشهد الغداء يضع النص بطليه مع ثلاثة أجيالٍ من اليونانيين ، يتبادلون أحاديث عن الحب و الأدب و الجنس في عصر التقنية و بالتأكيد عن الفوارق بين الرجل و المرأة ، لا نستطيع انكار حجم التقارب بين جيسي و سيلين مع الجيل المتوسط الذي يقابلهما على الطاولة ، ينظر جيسي و سيلين إلى اليسار حيث الشابان اليونانيان و قصصهما الرومانسية و كانما يستذكران شرارة الحب التي جمعتهما قبل 18 عاماً (دون ذرة ابتذالٍ طبعاً) ، ثم ينظران إلى اليمين حيث عجوزان يستذكران قيم الرضا و العشرة و الصداقة طويلة الأمد التي جمعتهما بأزواجهما ، بينما ينظران أمامها حيث تجلس نسخةٌ قريبة الشبه بهما ، تعيش ذات الأفكار و المشاكل و الذكورية و تحاول ابقاء علاقة الحب متأججةً كما الأيام الخوالي ، في هذا المشهد يضع النص يده على التفاصيل الجوهرية التي رسمت ملامح علاقة جيسي و سيلين الحالية ، لم تعد رومانسية جداً كما تراها سيلين ، من وجهة نظرها ترى بأن كم الذكورية الذي طغى على العلاقة سببٌ منطقيٌ في انطفاء تأججها ، و هو ما يفسره جيسي و صديقه بالطبيعة البيولوجية التي لا يمكن الهرب منها (الأمر و كأنك تغضب من ضفدع لأن لونه أخضر!!) ، في العمق لا تبدو علاقتهما شاذةً أو غريبة ، في الأربعين تطغى الصداقة و الشراكة و التضحية المتبادلة على كل شيء و تبدو و كأنما هي ما تبقى فعلاً و ليس الحب بمعناه الرومانسي ، و هنا يكمن جوهر الاختلاف من وجهة نظريهما ، محاولتهما التمسك بيأس برومانسية العلاقة متجاهلين الإيقاع اليومي للحياة الذي لا مفر من أن يسلبها بريقها ، ذات الخلاصة التي نلتقطها من العجوزين على الطاولة ، محاولة التأقلم مع فكرة أنهما ليسا (شخصاً واحداً) و انما (شخصان مختلفان) و محاولة ايجاد المشترك عوضاً عن الاندهاش لغيابه ، و في الواقع هذا هو سحر النص : إبقائه بطليه و كأنما هما على مفترق طرق ، ليس بين الإستمرارية أو الانفصال ، و إنما بين التمسك بالبعد الرومانسي الخام للعلاقة (الشخص الذي فتننا قبل 18 عاماً) و بين ترقية ذلك البعد ليستوعب قيماً أخرى عن الحياة المشترك و العشرة و الشخص الذي يبقى بجوارك مهما حصل .

في اللوحة التالية يسير البطلان في اتجاه الفندق الذي سيقضيان فيه ليلتهما الأخيرة كهدية وداع من مضيفيهم ، مشهدٌ بالرغم من جماله البصري (ذكرني بمشهدٍ مماثل في فيلم عباس كياروستامي Certified Copy) إلا أنه يغرد إلى حدٍ ما خارج السرب و خارج ايقاع الحكاية ، أجده بعيداً في حواره عن علاقة طويلة الأمد كهذه ، و لم أجد في حواراتٍ من قبيل (حدث لي) و (ذات مرة) و (كل عام) ما يليق بشخصين عاشا كل هذه السنوات مع بعضهما ، مشهدٌ استكشافيٌ جداً إلى حدٍ ما يتناسب ربما و عقدة الجزء الثاني حيث الفرصة الثانية و اللقاء بعد غياب ، المشهد لا يحمل مذاق الروتين و الاختلاف و تفاصيل الحياة اليومية – كما يفترض بعلاقة الأربعين التي نشهدها طوال الفيلم – و انما يقدم عبق الحكاية الأولى و الحب العابر و الفرصة الضائعة ، صحيح أن النص يحاول ترميم ذلك من خلال اعتراف البطلين بأن هذا غريب ، لكن ذلك لا يكون كافياً برأيي للفظ مذاق الفيلمين السابقين جانباً ، أو لتحريره من روح سلفيه ، روح الشخصين الغريبين أو اللذين يلتقيان بعد غياب ، يتكلمان عن الحب و الإستمرارية و ما الذي يرغبان في تغييره ، هو ربما جميلٌ من مبدأ معرفة الكثير عن بطلينا في هذه المرحلة ، إلا أنه في جوهره بعيدٌ عن السياق الدرامي للحدث ، عملياً لا يحدث هذا على أرض الواقع بذات التكثيف أساساً ، و الحوار الطويل بمذاق فيينا و باريس لا يبدو متسقاً تماماً مع شريكين أربعينيين لا تسير امور حياتهما على ما يرام على خلاف الحوارات الطويلة التي تتناول روتين العلاقة ذاتها (وضع الإبن ، أفكار سيلين و معاناتها) و التي تكون فعالةً جداً و جزءاً من الروتين اليومي الذي لا يصعب علينا تخيل كيف يسير ، و إن كانت الصورة العامة للمشهد لا تسلبنا جمالية ما نشاهده عموماً.

لا يؤخرنا النص كثيراً لنستمتع بشيءٍ من هذا القبيل ، فيقدم في اللوحة التالية مباشرةً لسيلين و جيسي في الفندق واحداً من افضل المشاهد الحوارية التي شاهدتها خلال السنوات القليلة الماضية ، مشهدٌ عظيمٌ عن الآمال المحطمة و الإضطرار للتضحية و التجاوز في سبيل الآخر ، محادثةٌ عقلانيةٌ غير عاطفيةٍ كما يراها جيسي و كما يفترض أن تكون ، سيلين ترى أن هذا هو آفة حياتهم ، التفكير العقلاني بعيداً عن العاطفة التي قامت عليها العلاقة ذاتها ، الدراما في المشهد عظيمةٌ جداً ، يبدأ من الرومانس حيث الهدف الأساسي من ذهابهم إلى الفندق ، ثم ينحرف للشجار المفتعل لأي سبب بما يتناسب و روتين المرحلة العمرية ، ثم ينجرف نحو انتقاد طريقة النقاش ذاتها ، قبل أن يستقر قليلاً و يأخذ منحاه العقلاني المرتكز على صداقتها قبل كل شيء ، طبعاً دون أن تتنازل تلك البنية الدرامية عن الكثير من ذكورية جيسي و الكثير من حاسة سيلين السادسة ، مشهد تفريغٍ روتيني عظيم ، كل الشحنات السلبية عن الظروف و التنازلات و الغيرة (ذكرتني في بعض تفصيلاتها بحوارات الشقيقة غير الموهوبة و الشقيق الناجح في The Savages) ، كتلٌ متحركةٌ من الاعتقاد المسبق بأن الآخر لا يقوم بما يجب عليه القيام به أو بالصورة التي يجب عليه أن يفعل ، أجمل ما في هذا المشهد الذي يستمر لنصف ساعةٍ على الشاشة أنه لا يخلق بالرغم من انفجاريته أي تفاصيل جديدة بقدر ما هو يوظف كم التفاصيل الموجودة أساساً ليصنع هذه اللحظة التفريغية الهائلة ، ذكورية جيسي و تذمر سيلين كانا دائماً على هامش الصورة اللامعة و البراقة أثناء تأجج العلاقة ، أصبحا في هذه المرحلة العمرية في المركز ، يقوم عليهما كل شيء ، و يتحكمان بكل شيء ، و ما أن تنتهي تلك اللحظات التفريغية في وداع اليونان يجلسان هناك في اللوحة الأخيرة ، يستخلصان العبرة من الرسالة التي ارتجلها جيسي على لسان سيلين في سن الثانية و الثمانين تخاطب سيلين الأربعينية عن الرجل الذي تعيش معه و عن تلك الليلة اليونانية التي لن تنساها في حياتها ، إشارةٌ ربما لجزءٍ سابع من السلسلة ، و نهايةٌ دون يقين حقيقيٍ يتجاوز الشعور بالرضا و الاقتناع بأن الحياة الحقيقية شيءٌ مختلف عن الحياة المثالية ، و هو شعورٌ سنختبر مقدار قدرتهم على التكيف معه عندما نكبر و اياهم بعد تسعة أعوامٍ أخرى .

أعظم و أذكى ما في هذه السلسلة أنها جعلتنا نعرف عن جيسي و سيلين كل شيءٍ تقريباً خلال ست ساعاتٍ فقط !! ، صرنا أصدقائهم و جزءاً من معارفهم الدائمين بفعل كم الحميمية الهائل الذي ولدته الصداقة طويلة الأمد بين أركان العمل الثلاثة ، و حس الارتجال و العفوية الذي نلتمسه بصدق في كل مرةٍ نرى فيها صديقين مثل إيثان هوك و جولي ديلبي يتحاوران على الشاشة متعةٌ خالصةٌ لا يمكن ان تزال من الذاكرة بمرور السنوات ، فيلمٌ للذكرى عن الشرارة التي جمعت سلين بجيسي ، عن محاولة ادراك حقيقيتها ، و معرفة القالب الذي كان يجب أن توضع فيه ، و هل قتلها استمرارهم معاً ، و هل كان المكسب منها أهم من مكسب مضي كل طرفٍ في طريقه ، فيلمٌ عن الفرصة الثانية ، و عن الشعور الفتاك بأن جمالية التوق إليها تفوق بكثير قيمة الحصول عليها .

التقييم من 10 : 9


0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters