•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الجمعة، 21 فبراير 2014

Her

كتب : عماد العذري

بطولة : واكين فينيكس ، أيمي آدامز ، روني مارا
إخراج : سبايك جونز

في الواقع يمكن للمرء توقع فيلمٍ كهذا من سبايك جونز ! عندما قرأت عن الحكاية التي يسردها جونز قبل بضعة أشهر لم أشعر بالإنبهار المفترض بالنظر طبعاً لأن من سيرويها هو رجلٌ سبق وقدم لنا Being John Malkovich و Adaptation . وعندما شاهدت العمل منذ أيام وأعدته ليلة أمس أدركت أن شعوري كان صائباً وأن ما أنتظره من سبايك جونز يفوق في الواقع الحكاية التي سمعناها عن الرجل المنزوي الذي يقع في غرام افتراضي !

ما أن انتصفت مشاهدتي الأولى للفيلم حتى أدركت أنني سأضعه ضمن قائمتي لأفضل أفلام العام بنهاية الموسم ! ومن النادر اجمالاً أن يحدث هذا معي. سبايك جونز يتعدى الاطار البديهي لما يمكن أن تقدمه حكايةٌ كهذه من خلال بُعدها الساخر أو نبرتها التراجيدية إلى الغوص بعمقٍ في سيكولوجية العلاقة – التي أُشبعت تناولاً – بين الإنسان والتقنية ، وبين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي .

النص الذي كتبه سبايك جونز – ولأول مرة منفرداً – يحكي قصة تيودور تومبلي ، كاتبٌ في شركةٍ مستقبلية يعمل على ارسال الرسائل المختلفة نيابةً عن الأشخاص الذين يحتاجونها بناءً على معلوماتٍ يمنحونها للشركة. يكتب للآخرين عن الحب والعائلة والصداقة والفراق والشوق والحنين بالرغم من أن حياته الشخصية تبدو بعيدةً الآن عن أي معانٍ كهذه ، خصوصاً مع كم الفراغ الذي يعيشه في ظل إجراءات طلاقه من رفيقة الدرب كاثرين. كل هذا يتغير مع نظام التشغيل الجديد الذي يضعه مؤخراً في حاسوبه الشخصي .

وفقاً للحكاية فإن ما يمكن أن نتوقعه من كاتبٍ مثل سبايك جونز يبدو واضحاً : الحديث عن العلاقة المخيفة بين الانسان ووسائل التواصل الاجتماعي والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه بعيداً في التغلغل في أعقد وأصعب الحالات الانسانية : الوقوع في الحب ! عملياً يتجاوز سبايك جونز ذلك مدركاً الى حدٍ بعيد ما ننتظره منه فلا يهمّشه ولا يتجاهله بل يجعله جزءاً من الكل ، ثم يوسّع من خلاله اطار معالجته لتبدو أكثر عمقاً وحقيقيةً وخيالاً مما يفترض .

مع معرفتنا بملامح الحكاية لن نجد صعوبةً منذ لقائنا الأول بتيودور تومبلي في تأكيد الصورة الافتراضية التي وضعناها عنه ، (فاقد الشيء الذي يعطيه) ، الموظف الذي يكتب للآخرين عن الحب والعائلة والإشتياق دون أن يجد أي شيءٍ منها في حياته ! نسخةٌ مطورةُ وجديدة من سيرانو دو بيرجِراك ، يعيش الوحدة والعزلة والحاجة لعلاقاتٍ إجتماعيةٍ حقيقية بالرغم من أنه يمتلك الأدوات التقليدية للحصول عليها. لا يبدو بأن تيودور يبذل جهداً كبيراً للحصول عليها في هذه البيئة المستقبلية غير المحددة زمنياً والتي ترسم ملامحها الكتابة الاملائية على شاشات الكومبيوتر والهواتف فائقة الذكاء والعاب الفيديو فائقة التفاعلية. في هذه البيئة تبدو التكنولوجيا بالنسبة لتيودور تومبلي - أكثر من صورتها المفترضة كوسيلة حياةٍ - جزءًا من كيان الشخصية ذاتها ، هي مصدر رزقه ، ووسيلة تخفيف صدماته وإنشاء علاقاته ، كما أنها معينه الأول في الابتعاد عن العالم الحقيقي المؤلم له في هذه المرحلة تحديداً. تيودور تومبلي يمارس من خلال التكنولوجيا عملية انكار الألم الذي ولّدته الإزالة المفاجئة لشريكة العمر كاثرين من حياته. يعلم جيداً مقدار المشترك الذي جمعهما ومقدار ما يعنيانه لبعضهما ، ويدرك في الوقت ذاته أن التفاصيل هي ما زرعت تلك الهوة بينهما وقادتهما الى هذا المصير. لذلك هو يبتعد قدر استطاعته عن التعاطي مع ذلك الألم. يقضي لياليه بالتحدث إلى نساءٍ لا يعرفهن من خلال غرف المحادثة ، يمارس الجنس معهن ، ولا تسير امور مواعدته لإمرأةٍ حقيقيةٍ تدعى أوليفيا كما يرام وتنتهي بطريقةٍ دراماتيكية. علاقته الحقيقية الوحيدة هي مع صديقة الجامعة ايمي صانعة الأفلام الوثائقية التي يزورها من حينٍ لآخر. في هذه المرحلة تظهر سامانثا ، نظام التشغيل الجديد لحاسوبه الشخصي التي تملأ حياته ! كل هذا متوقع ومفهومٌ في سيناريو سبايك جونز ربما منذ أن عرفنا ملامح حكايته. لذلك لا يستسلم جونز للشيء المتوقع الذي ينتظره المشاهد في النص ، بل يذهب بعيداً في تكييف أحداث العمل بصورةٍ تمنحه العمق غير المتوقع منه. ما تقدمه سامانثا لتيودور بظهورها ليس الشعور بالتقبل أو التفاهم كما يفترض لنا أن نعتقد ، سامانثا تُحيي في تيودور شعور الأمان ، الثقة التي يفتقدها بأن هناك شخصاً ما ينتظرك وحدك ، متوفرٌ لك دائماً ، ومتكيفٌ تماماً مع نزعاتك وأهوائك. سامانثا تحقق لتيودور ما يحتاجه أيٌ منا في بحثه عن الشريك : الشخص المفصّل على قياسنا ! سامانثا تحرر تيودور من التفصيل الأساسي الذي يقلقه في أي علاقة تواصلٍ حقيقيٍ يقيمها : قلق الفقدان والخسارة ، القلق الذي يعيشه الآن بسبب زوجته كاثرين ، والقلق الذي يستحوذ على أوليفيا عندما تواعده فيدفعها إلى انهاء المواعدة. سامانثا تحرره من قلق الخيبة والعواقب ، وتمنحه الاحساس بأن هذا لن يحدث لأنها موجودةٌ على الدوام ومسخّرةٌ له على الدوام. تمنحه الشعور بـ (الحقيقية) من خلال أكثر الأشياء بعداً عنها ! سامانثا هي انعكاس النظرة المعقولة لتزييف الأمور غير القابلة للتزييف ، والتي تحاول أن تصنع لتيودور نسخاً قابلةً للتصديق من الحب والإلتزام والنشوة والسعادة .

الجميل والمختلف في النص وأكثر ما أقدره فيه أن سامانثا تدرك عدم فهمها الكامل لتلك الجزئيات بالرغم من اهتمامها بذلك ! منذ أن قرأت حكاية الفيلم قبل بضعة أشهر وأنا أتخيل كيف ستتطور ما تعارف على تسميته بـ (عقدة ميتروبوليس) ضمن هذه القصة : الذكاء الاصطناعي الذي ينمو الى الدرجة التي يُنكر فيها اصطناعيتهسبايك جونز يذهب أبعد من جميع صور الذكاء الاصطناعي التي شاهدناها على شاشة السينما منذ Metropolis وحتى A.I فلا يتوقف عند حدود الذكاء الإصطناعي الذي ينمو ويتطور من تلقاء نفسه مشكلاً مشاعره وأحاسيسه الخاصة التي تصل إلى درجةٍ من الغنى والصدق لا يستطيع معها تمييز حقيقية مشاعره وبالتالي يبدأ بالإقتناع ببشريته وينكر أي محاولةٍ لنفي ذلك. ذكاء سامانثا الاصطناعي ينمو ويتطور ويجعلها تعيش أحاسيس ومشاعر مختلفة لكنه يستمر في نموه وتطوره وتحليله لما يجري أبعد من ذلك ويتجاوز تلك المرحلة النمطية الى بعدٍ أكثر منطقية يجعلها تدرك أن تلك المشاعر غير حقيقية ! الذكاء الاصطناعي الذي ينمو ليتجاوز مرحلة الاقتناع ببشريته إلى مرحلة الشك بتلك البشرية وانكار تلك المشاعر ومحاولة التأقلم معها وتحويلها الى شيءٍ حقيقيٍ قدر المستطاع (من ذلك مشهدٌ لطرفٍ ثالث يحاول تنفيذ علاقتها الجسدية مع تيودور)! ينحرف جونز بعيداً عن المفهوم التقليدي لـ (عقدة ميتروبوليس) إلى شيءٍ أقرب بـ (متلازمة بينوكيو) عن الدمية التي رغبت أن تصبح بشرية ، في كسرٍ حقيقيٍ للصورة التقليدية – التي أُحبها جداً – في أفلام الذكاء الاصطناعي نحو نظرةٍ أكثر معقوليةٍ للمدى الذي يمكن أن ينمو إليه ذلك الذكاء. تنقلب الآية هنا : تشكك سامانثا في مشاعرها ، بينما يميل تيودور تومبلي لإنكار ذلك !! صورةٌ مختلفةٌ من HAL 9000 و رواد الفضاء في 2001 . هذا الميزان بين شك سامانثا واقتناع تيودور يغذيه جونز بسخاء من خلال حاجة تيودور وشغفه بالعلاقة الجديدة الذي يجعله أكثر ميلاً لتصديق تلك المشاعر. يعيد جونز توصيف الحب من خلال دراسة مبررات هذه الحاجة. علاقة تيودور الفاشلة مع أوليفيا / الناجحة مع سامانثا تصيب بشكلٍ مباشر جوهر معضلة الحب عبر التاريخ : التوازن الصعب بين بعده الرومانسي وجانب الالتزام الحياتي فيه ، التوازن الذي جعلته أوليفيا في صلب علاقتهما مبكراً مما أدى الى انهائها ، والتوازن الذي حررته منه سامانثا بالمطلق. سرعة تأقلم تيودور مع سامانثا نابعٌ في جوهره من مقدار المساحة التي احتلتها ، غدت السكرتيرة والمساعدة والصديقة والشريكة والمعالجة النفسية ورفيقة التجوال دون أن تطالبه بأي شيءٍ بالمقابل ، توفرت له في كل لحظة وفي كل مود وخلصته بالمقابل من أي التزام !

في العمق يطرح جونز تساؤلاتٍ مهمة عن الحب والشراكة والتآلف ، وعن المعنى الحقيقي لـ (الشخصية) و (الوجود) في جوهر الحب ، وعن مقدار القيود الموضوعة أمام اجابة أسئلةٍ من قبيل : هل الحب غاية ؟ أم هو وسيلةٌ للإحساس بشيءٍ مختلف وبمعنىً مختلف ؟ هل تحقق ذلك مرتبطٌ بوجود ؟ بشخصية ؟ هل تحقق ذلك الإحساس المختلف يمكن أن يحدث بواسطة شيءٍ لا وجود له ؟ هل نرفضه حينها ؟ و إذا كان ذلك الشيء وهماً فهل الشعور الذي يملأ القلب ويرسم جوهر الحب وهمٌ أيضاً ؟! جونز يطرح تساؤلاتٍ عميقةً جداً عن العلاقة الجدلية بين المادي والروحي في الحب. تيودور تومبلي أقام نوعين من العلاقات الافتراضية (ان صحت التسمية) ، الأولى من خلال غرف المحادثة ، والثانية من خلال سامانثا. كلا العلاقتين تفتقران للجزء المادي منها ، لكن ما جعل الأولى علاقةً عابرة والثانية علاقة حياة هي (الشخصية). تعامل تيودور اللحظي مع (إمرأةٍ حقيقيةٍ) بـ(شخصيةٍ وهمية) في غرفة المحادثة ، اختلف تماماً مع تعامله الدائم مع (إمرأةٍ وهميةٍ) بـ (شخصيةٍ حقيقية) هي سامانثا. الفيلم من خلال مرارة الهجائية التي يقدمها يطرح تساؤلاً مهماً عن جوهر الحب ذاته وارتباطه الأزلي بالشخصية ، البُعد الذي تلعبه الروح في اذكاء شعلة الحب حتى بغياب الجزء المادي منه .

علاوةً على ذلك يتجاوز سبايك جونز (من خلال شخصياته العالقة بين ذاتها وعالمها الضيق جداً وهي الشخصيات التي يجيد تقديمها دائماً) المعنى المفترض لإسقاط حكايته على علاقاتنا اليوم. هو يدرك بأن علاقاتنا الاجتماعية أصبحت كذلك فعلاً في جزءٍ كبيرٍ منها ولا تحتاج لأي اسقاطاتٍ أصلاً. يتفهّم جونز جيداً أن علاقتنا اليوم بالإفتراضي تجاوزت المفهوم التقليدي للوسيلة وأصبحت غايةً ونمط حياة وقيداً إجتماعياً لا يمكن تجاهله أو نكرانه. لذلك هو لا يعرض هجائيةً صريحةً عن (إلى اين نمضي ؟) بقدر ما يقدم تراجيديا ناعمة عن التساؤل ذاته (إلى أين نمضي ؟)! يربط معالجته بالواقع من خلال تلك المسحة التراجيدية ويترك لمشاهده حرية تشكيل وجهة النظر التي يرغب ، ولا يؤطر ذلك في محور العلاقة بين الإنسان والتقنية بل يعممه ليتناول بصورةٍ اقل مباشرة التعامل بين الإنسان والإنسان على هامش تلك العلاقة مستنطقاً تقبّل البشر في الألفية الجديدة لأي علاقةٍ غريبةٍ أو مختلفة. نلمح ذلك في قصص أيمي عن أشخاصٍ يعيشون علاقات حبٍ مع حواسيبهم ، وعلاقتها الجديدة بنظام تشغيل حاسوب زوجها ، ونلمح ذلك أيضاً في النزهة المزدوجة لتيودور وسامانثا مع زميل العمل وصديقةٍ حقيقية .

قرب الختام - وكعادته حتى في الأفلام التي أنجزها مع تشارلي كوفمان – يميل سبايك جونز لإعادة ترتيب الأمور مجدداً ولا يحاول أن يمضي بها أبعد من ذلك. هذا الترتيب يأتي هنا بسرعةٍ أصابتني كمشاهد ببعض التشويش بالرغم من منطقيته وتبريره. يعيد جونز تحرير الحب من الأنانية التي غلفه بها وجود سامانثا وطغيان الأنا الصارخ الذي أشبعته : أن تجد - على مدار الساعة - شخصاً ينتظرك ، يحادثك ، يتوق لسماع كلامك ، يضحك لنكاتك ، يناقشك ويتعلم منك ! وعندما يفقد تيودور سامانثا يدرك أن ما حدث ذهب بالحب أبعد من الإطار الذي يجب أن يوضع فيه ، خلّصه من خوفه وقلقه دون إدراك أن الخوف والقلق شعوران جذريان متلازمان مع الحب ، وأن الخوف من عبء التغيير والالتزام تجاه الآخر هو الهيكل الأساسي الذي يقوم عليه الحب والمحرك الأساسي الذي يبقيه يقظاً وفاعلاً ، لذلك يخاطب تيودور كاثرين في ختام الفيلم عن الشيء الجميل والمختلف الذي لم يجده إلا معها!

و بالرغم من أن النص يقوم على اعادة توصيف العلاقات الاجتماعية المستقبلية ضمن جوٍ ينتمي تصنيفياً إلى الخيال العلمي إلا أن سبايك جونز يحقق نسخةً أنعم وأدفأ بكثير مما اعتدناه في الصنف موظفاً المفاتيح البصرية للصنف بصورةٍ ممتازة لخدمة علاقات (التحوّل) التي ستصيب الجنس البشري مع زيادة حجم التماس الذي يجمعه بـ (التقنية). يبدو بالنسبة لي الفيلم الأكثر دفئاً الذي لم يخرجه ديفيد كرونينبيرغ ! الجميل في عمل سبايك جونز الاخراجي هنا هو أنه بالرغم من الصورة التشاؤمية والنبرة الهجائية وتراجيدية الحكاية لا يقدم فيلماً كئيباً أو قاتماً. صحيح أنه يعاني من بعض فترات الملل التي لا يمكن مراوغتها في منتصفه والتي قد يبررها ارتكاز الحدث في الحكاية على الحوار المتدفق بين شخصيةٍ نراها واخرى لا نراها ، إلا أن المتعة حاضرة في معظم أجزاء العمل تقريباً وهذا ربما يزيده قسوة ويجعله نظرةً أكثر واقعيةً في مآلنا القريب لا تستلزم أي نوعٍ من القتامة أو الكابوسية لتقديمها لأننا لن نشعر بذلك عندما نعيشها يوماً ما. يتناغم في جمال هذه الصورة عملٌ مقدرٌ جداً في تصميم الانتاج قام به كي كي باريت و عملٌ تصويريٌ محترم من هويت فان هويتن الذي أعيد الانفتان بعمله كما فعلت سابقاً في Tinker Tailor Soldier Spy . يعمل هذا التناغم على تجسيد إحساسٍ عالٍ بـ(العزلة) التي تقوم عليها شخصية تيودور ، ليس ذلك المتعلق بتصميم الشخصية قليلة الكلام والبعيدة عن الآخرين ، بل ذلك الإحساس بأن العالم المحيط بها يعيش في عزلة حقيقية حيث تطغى صورةٌ لعالمٍ مثاليٍ وردي (يخلقه بصرياً أيضاً مدروجٌ لونيٌ ضيق بين الأصفر والأحمر) مسلوبٍ من قيم التواصل الحقيقي بين أطرافه ، في نسيجٍ أجتماعيٍ أشبه بمجموعاتٌ هائلةٌ من فقاعات العزل التي تعيش في مداراتها الخاصة المنفصلة على سطح كوكبٍ كبير .

ما يفعله واكين فينيكس وسكارلت جوهانسون شيءٌ مقدر أيضاً. واكين يقدم أداءً أحادياً ممتازاً ومؤثراً ، يسأل ويرد وينفعل ويحاول ملء الشاشة بمفرده ! احساسنا بالقرب من تيودور وفهمه وتقدير ما يجري له سلسٌ جداً ، احساسنا بعزلته ورغبته الخجولة والمشروطة لكسرها يصلنا دون حواجز. ممثلٌ يثبت فيلماً تلو الآخر أنه ممثل كبير. بالمقابل يعتمد وقوع تيودور تيمبلي في حب سامانثا على مقدار الاغواء والحقيقية التي يعرضها نظام التشغيل هذا ، وذلك يتحقق بفضل الأداء الصوتي من سكارلت جوهانسن الذي لا يبدو غريباً مقدار الاحتفاء الذي حظي به ومقدار الجوائز التي نالها. جوهانسن تحقق مع فينيكس درجة كيمياء عاليةٍ بين ممثلين لا يظهران معاً على الشاشة ولا يقومان بأي حوارٍ أصلاً. صحيح أنه من الصعوبة القول أن الأداء الصوتي - في محوريته هنا - يصل إلى حافة العلامة التي تركها الأداء الصوتي لشخصية دارث ڤيدر أو HAL 9000 لكننا بالمقابل نلتقط بسهولة كم هو فعالٌ جداً وجذاب وقادرٌ على الذهاب بنا أبعد من مساحة التأثير المفترضة للأداء الصوتي في فيلمٍ سينمائي.

من الأمور الجميلة لأي عاشقٍ للسينما أن يرتقي الفيلم الذي ينتظره إلى مستوى طموحاته ، وأن يجد الفيلم الذي يتوقع أن يصبح واحداً من أفضل أفلام العام وقد أصبح فعلاً واحداً من أفضل أفلام العام !

التقييم من 10 : 9

0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters