•   شخصيات تختبىء وراء إدراكها
  • أريدك أن تصنع فيلماً عن معاناتي
  •  بركات الحضارة
  •  أشياؤه المفقودة
  •  كل الحيوانات تخرج ليلاً
  •  اللحظات المختلسة
  •  الفن والحب والحياة
  •  عن أحياءٍ لم يعودوا يحيون وأمواتٍ لا يموتون أبداً
  •  روسيا بوتن في شتائها الثاني عشر
  • أفكاره ومشهديته تجعله يستحق المشاهدة
  • الإضافة من خلال الحذف

الخميس، 11 أكتوبر 2012

The Amazing Spider-Man

كتب : عماد العذري

بطولة : أندرو غارفيلد ، إيما ستون ، مارتن شين ، سالي فيلد
إخراج : مارك ويب

لا يبدو لي واضحاً تماماً من أين استقت هوليوود ذلك الطقس الذي تمارسه دوماً عند تقادم سلسلةٍ سينمائيةٍ ناجحة أو تكاثر أجزائها ، من خلال أن تُقدم على إعادة إطلاق السلسلة مجدداً من خلال رؤيةٍ جديدةٍ ، و نجومٍ جدد ، و تفاصيل انتاجيةٍ مختلفةٍ عن الإصدار السابق ، و مع أن هذا الطقس نجح في أكثر من مناسبة ، أهمها ربما ثلاثية كريستوفر نولان التي تناولت باتمان ، إلا أن الجزء الأكبر من نتائج ممارسة هذا الطقس لم تكن على النحو المرجو إطلاقاً .

كانت كولومبيا تعتزم إطلاق جزءٍ رابعٍ من سلسلة Spider Man التي أخرجها سام ريمي و حققت نجاحاً مدوياً على مدى خمس سنوات 2002-2007 ، إلا أن خلافاتٍ انتاجية كبرى بين المنتجين و مخرج الفيلم حالت دون الإنتقال إلى جزءٍ رابع ، و لأن السلسلة كانت أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهباً خصوصاً بعد أكثر من ملياري دولار صبتها في خزائن منتجيها كان من شبه المستحيل أن يؤدي ذلك الخلاف الى التخلي عن مشروعٍ فيلمٍ رابعٍ عن السوبر هيرو الشهير ذو الشباك العنكبوتية ، فجاءت هنا فكرة اعادة اطلاق السلسلة مجدداً من خلال رؤيةٍ اخراجيةٍ جديدة ، و نجومٍ جدد ، و نهجٍ جديد في التعامل مع شخصية سبايدر مان ، و مع ذلك لا أعتقد بأن الخطوة كانت موفقةً كما كان يفترض .

القصة تعود إلى المنشأ ، حيث الطالب المنعزل بيتر باركر يقضي حياته محاطاً بعمه بن و زوجته ماي ، لا يدري لماذا تخلى عنه والداه ذات يوم ، بيتر المولع بالعلوم يتعرض أثناء زيارته لمؤسسة أوزكورب العلمية للدغة عنكبوت محسّن جينياً ليكتشف خلال أيام تغيراً واضحاً في قدراته الجسدية و الحركية و في ردات فعله و قوته ، قبل أن يدرك أن ماحدث جعله قادراً أيضاً على اطلاق شباكٍ عنكبوتية تساعده في التنقل عبر المدينة بطريقةٍ تبدو مثيرةً للدهشة ، بيتر يتقاعس ذات يومٍ عن ايقاف مجرمٍ في أحد المحال التجارية ليدفع ثمن ذلك مقتل عمه بن ، الحادثة التي تحرض الشاب المنعزل على استثمار قدراته الجديدة في الوقوف في وجه الجريمة في مدينته من خلال شخصيته الجديدة المختبئة وراء قناعٍ أحمر : سبايدر مان .

في النصف الأول من هذا النص لا يجهد كتاب النص – على الرغم من شهرتهم – أنفسهم كثيراً في صناعة شيءٍ مميز ، بل لا أبالغ اذا ما قلت بأنهم لا يجهدون أنفسهم بتاتاً ، يبدو النص اعادة تقديمٍ – ربما بطريقة مشهد / مشهد – للجزء الأول من سلسلة سام ريمي ، كتاب النص (جيمس فاندربيلت كاتب Zodiac و ألفن سارغنت كاتب الجزئين الثاني و الثالث من Spider-Man و ستيف كلوفس كاتب سلسلة هاري بوتر) لا يحاولون القفز على أي شيءٍ في الإصدار الأول خصوصاً في النصف الأول من فيلمهم الذي يدور ضمن ساعتين و 20 دقيقةً تقريباً ، و هي فترةٌ تبدو طويلةً لإعطاء المشاهد الشعور بالإنعتاق من سلسلة سام ريمي ، هذا الأمر لا يحدث هنا إلى الدرجة التي يسقط فيها أي أهمية حقيقيةٍ تستحق الذكر لإعادة إحياء هذه السلسلة طالما أن الجديد الذي تعد به لن يكون ظاهراً للمشاهد المتلهف .

ما يحسب لكتاب النص فقط طوال هذه المرحلة هو محاولتهم الجدية أنسنة شخصية بيتر باركر و تقريبها من المشاهد و كسر الحاجز الموجود دائماً بين المشاهد و السوبر هيرو المحبوب ، لطالما عجزت أفلام السوبر هيرو – بإستثناء Batman Begins - عن الوصول بمشاهدها إلى مرحلة القرب الكامل من شخصية السوبر هيرو و ازالة الحاجز (أو معظمه) بين الصورة النمطية المعتادة للسوبر هيرو كرجلٍ خارق ، و بين حقيقة كونه انساناً قبل كل شيء ، في النصف الأول من هذا العمل يبدو كتاب النص جادين إلى حدٍ ما في مقاربة ذلك ، مشكلتهم بنظري أنهم بالغوا إلى حدٍ بعيد في جدية العمل ، الجميع يعرف أن شخصية سبايدر مان بالذات هي شخصية الكوميكس الاكثر شعبيةً في العالم ، كلارك كنت رجلٌ جاء من كوكب كريبتون و اختبأ في ملابسنا ، و بروس وين رجلٌ بورجوازي غامض يقطن قصراً منيفاُ في غوثام ، بينما بيتر باركر واحدٌ من عامة الشعب ، طالبٌ يتيمٌ ودودٌ و لطيفٌ و متعاونٌ و يعيش مع اسرةٍ محبةٍ و مكافحة ، تجريد هذه الشخصية تحديداً – و ليس سوبرمان أو باتمان أو غيرهما – من روح الدعابة التي لطالما طبعت عمل الكوميكس بدى بنظري مخاطرة غير آمنةٍ تماماً ، النص أفقد أجواء الشخصية روح الدعابة مع أنها تحتملها ، و الجدية المفرطة في تقديم حياة بيتر باركر لا تخدمها في شيء ، ربما لأن النص أساساً لا يذهب بعيداً في التعمق في الجوانب الخفية من شخصياته ، و عندما لا تتعمق أساساً في الشخصيات فأنت تفقد عملك المبرر و الدافع لجعله جدياً إلى هذه الدرجة ، أمرٌ ما كنت لأستغربه لولا أن من وقف وراء الفيلم هو مارك ويب ، مخرج الأفلام المستقلة الذي قدم لنا سابقة 500 Days of Summer ، و الذي كان من المفترض – كصانع أفلامٍ مستقلة – أن يجود علينا بما هو أفضل من هذا على مستوى بناء شخصياته ، و بما يمكن أن ننتظره من حس المرح الذي قدمه مارك ويب في فيلمه السابق ، هذا لايحدث ، يبدو العمل على النقيض تماماً من فيلم مارك ويب السابق أقل عمقاً و أكثر بساطةً في بناء شخصياته و أقل مرحاً و دعابةً في تقديمها ، على الرغم من كونه يستحق ما هو أفضل من ذلك .

و بالرغم من أن النص يهتم أكثر من سلسلة سام ريمي بمحاولة أنسنة شخصية بيتر باركر ، و هو شيء يحسب له أولاً و أخيراً ، إلا أنه يصب معظم جهده في هذا الخصوص على التفاصيل ، ربما نستمتع برؤية الفتى المنعزل ، شجاراته في المدرسة ، تفوقه الدراسي ، ربما يروقك رؤية سبايدر مان يجلس على رأس احدى الناطحات و يتكلم عبر الخليوي ، و ربما يثيرنا فعلاً الطريقة الجيدة جداً التي يتقبل بها بيتر باركر ما حدث له عقب لدغة العنكبوت و التي تبدو في اعتقادي اكثر حقيقيةً من عمل الكوميكس ذاته ، نراه يخاف ، و يتوجس ، و يوسوس كثيراً قبل حتى أن يجرؤ على التفكير بالموضوع من ناحيةٍ إيجابية ، التفاصيل تبدو مهمةً للمشاهد ، لكن المبالغة بها و التصنع فيها أحياناً – خصوصاً و أن العمل لا ينهج نهج عمل الكوميكس في دعابته – قد تفقد النص جزءاً من جودته كعملٍ يقتبس في الأساس رسوماً (هزلية) تتناول شخصية (سوبر هيرو) ، معادلةٌ تبدو صعبةً قليلاً ، في أفلام السوبر هيرو تحديداً هناك الكثير مما لا يعقل ، هو يطير ، يستطيع أن يكسر القوالب الإسمنتية بقبضة يديه الفارغة ، و يمكن أن يقاتل كتيبةً بمفرده ، أمورٌ (لا تعقل) لكن يتقبلها المشاهد لأن يشاهد في الاساس (سوبر هيرو) لكنه بالمقابل لا يتقبل بعض الأمور التي (تعقل) لأنها تأتي بالذات من سوبر هيرو ، السوبر هيرو لا يتخلى عن مثالياته ، لذلك السوبر هيرو لا يغش ، لا يسرق ، و لا ينتحل شخصية أحد ، صحيح أنه ما من محاذير واضحةٍ بهذا الخصوص ، إلا أن محاولة أنسنة الشخصية لا تنجح تماماً – على خلاف النص الذكي الذي كتبه نولان لـ Batman Begins – من منطلق أنها تهز بعض أركان الشخصية ( البطل قبل كل شيء ) في محاولتها ضخ جرعةٍ من الإنسانية في عروقها .

في النصف الثاني من الفيلم ينتقل النص بعنفٍ غير مدروس من محاولته الجادة أنسنة سبايدر مان إلى صورةٍ تبدو تقليديةً جداً بالنسبة لفترات الذروة التي لطالما قدمتها افلام السوبر هيرو ، فتبدو صورة العمل ككل أشبه بالنسخة المشوهة من الجزء الأول من سلسلة سام ريمي ، أمرٌ كان المرء ليتجاوزه – و بسهولة – لو نجح أحد النصفين فعلاً في أسر اهتمامنا و جذب أنظارنا ، لا ينجح مارك ويب في جعلنا نشعر بقيمته وراء الكاميرا ، حتى المعركة الختامية التي تأتي في زمنٍ تجاوزت فيها المؤثرات البصرية بقرون نظيراتها التي حققت فيلم سام ريمي قبل عقدٍ كاملٍ من الزمان إلا أن تفاصيل المعركة – قصصياً و بصرياً – لا تعدو كونها العملية الروتينية التي اعتدناها في سائر أفلام السوبر هيرو ، لا تبدو للمشاهد مهمةً او ذات قيمة ، و قد لا يستطيع تذكرها بوضوح عندما ينتهي من مشاهدة الفيلم ، و موسيقى جيمس هورنر التي ترافقها لم تكن موفقةً على خلاف ما اعتدنا ، حتى تصميم السحلية بدى بدائياً إلى درجةٍ تشعرك فعلاً بالرغبة في أن تسأل نفسك عن الدافع الحقيقي في اعادة تقديم هذه القصة بعد عشرة أعوامٍ فقط على تقديمها من قبل ؟!!

ربما العمق الحقيقي الذي عجز النص بشكلٍ واضحٍ عن خلقه و تجسيده في شخصية بيتر باركر يصل إلينا من خلال أداءٍ رائعٍ من البريطاني الشاب أندرو غارفيلد ، أندرو غارفيلد – على خلاف ما فعل توبي ماغواير – أخرج شخصية بيتر باركر من الورق ، أبعدها الى حدٍ بعيد عن قوقعة الكوميكس التي لطالما شاهدناها من خلالها ، يبدو الممثل الموهوب – الذي حقق عدداً من الأعمال المهمة خلال السنوات القليلة الماضية – أقرب إلى نموذجٍ فعّال من جيمس دين الذي يتحول إلى سبايدر مان ، خيارٌ موفقٌ بالفعل لمارك ويب خصوصاً و أنه فضّله على جوش هارتنت و جوزيف غوردون ليفيت و روبرت باتينسن ، تبدو ملامح غارفيلد بحد ذاتها احدى الصور المثالية لما يجب أن تبدو عليه شخصية بيتر باركر ، مزيجٌ دقيق من الذكاء و الألم الداخلي و الروح المرحة و الإنسانية .

الأمر لا يبدو مختلفاً مع إيما ستون ، على الرغم من النص يبتعد هذه المرة عن تقديم عشيقة سبايدر مان الأشهر ماري جين واتسون (أدتها كريستن دانست في الثلاثية) و يعود إلى حبه الأول الشقراء غوين ستيسي (أدتها برايس دالاس هوارد في الجزء الثالث) ، إلا أن ستون تجتهد و تنجح في الدور ربما بالنظر لروحها و بساطة ملامحها و اطلالتها المشرقة ، و بالرغم من أن مارك ويب ينجح في ادارة بطلي فيلمه (على الرغم من أنني كنت أفضّل رؤية جيم شتورغس و ليلي كولينز في الدورين) بالصورة التي يفترض أن تسير عليها الأمور و ينجح في التفوق من خلال الأدائين على ادائي توبي ماغواير و كريستن دانست في ثلاثية سام ريمي ، إلا أنه لم ينجح اطلاقاً في تحقيق ذات الكيمياء التي حققها ماغواير و دانست على مدى ثلاثة أجزاء ، جزئية تقف بوضوح ضد ويب الذي لم يخلق ربما البيئة و الكيفية الملائمة لجعل أدائي غارفيلد و ستون وحدةً واحدةً مكتملة الملامح ، بالرغم من أنهما تحولا إلى عشيقين بعد انتهاء تصوير الفيلم .

بالنتيجة كان يمكن لهذا العمل أن يكون افضل لو امتلك كتاب نصّه الجرأة على الانعتاق فعلاً من ثلاثية سام ريمي و هم يعيدون قراءة القصة من بدايتها ، بالرغم من اخلاصهم الواضح تجاه ازالة الحاجز قدر المستطاع في ثنائية السوبر هيرو / الإنسان ، أمرٌ لم يستطع مارك ويب أن يخدمه في شيء أو أن يرتقي به في النصف الثاني من العمل لصناعة مواجهةٍ مبهرةٍ تبقى في البال طويلاً و تجعل مشاهده يشعر بالإرتياح و يتناسى أي شيءٍ آخر عندما ينتهي الفيلم ، محاولة أنسنة الشخصية كان اجتهاداً جيداً ، و بعض التفاصيل هنا و هناك بدت جيدةً و حيوية ، لكن أندرو غارفيلد و إيما ستون هما أفضل ما في هذا الفيلم .

التقييم من 10 : 6


0 تعليقات:

إرسال تعليق

free counters