السبت، 18 مارس 2017

أفضل المشاهد السينمائية لعام 2016


كتب : عماد العذري

قبل إختيار المشاهد التي ستشكّل عقد القائمة كنت أجدها مهمةً صعبةً قياساً بسنواتٍ مضت ربما بسبب المستوى المجمل لأفلام العام قياساً بالعام الذي سبقه مثلاً ، لكنني أثناء الإختيار وجدتها أسهل بكثير مما اعتقدت وربما أسهل حتى من قائمتي السابقة لأفضل أفلام العام ، نسبةٌ كبيرةٌ من مشاهد القائمة وجدت طريقها إليها أثناء المشاهدة الأولى وكنت متأكداً تماماً أنها ستنتهي في القائمة لا محالة ، حيرةٌ بسيطةٌ تبقت في اختيار خمسةٍ من ثمانية مشاهد أو تسعة ، إعادة المشاهدة تحسم معضلاتٍ كهذه .

في ختام عامٍ سينمائي ، طقسٌ سينمائيٌ يتكرر مع قائمتي لأفضل المشاهد ، أجملها وأكثرها قدرةً على البقاء في الذاكرة بترتيب بقاءها في الذاكرة بعيداً عن مستوى تقديري للأفلام التي تنتمي إليها ، كعادة كل عام أذكر القارئ بأن جميع هذه المشاهد هي مفاصل مهمةٌ (وربما الأهم) في أفلامها ويجب عدم القراءة عنها لمن لم يشاهد تلك الأفلام .


أفضل المشاهد السينمائية لعام 2016


20


 مشهد I, Daniel Blake من فيلم I, Daniel Blake

بشكلٍ أو بآخر هناك مشهد إحتجاجي / تمردي كهذا في كل فيلمٍ شاهدته لكين لوتش ، شخصياته في مرحلةٍ ما من الضغط تنفجر بصورةٍ أو بأخرى على اختلاف تكوينها النفسي وطريقة تعاطيها مع محيطها ، ثيمةٌ بدأها كين لوتش مع Kes ووصل بها إلى هنا حيث بطله دانيال بليك يصل إلى نقطة اللاعودة ، فيلم كين لوتش يشبه بطله ، بسيطٌ وودودٌ ومخنوقٌ وفيه من التقشف البصري ما يليق بشخصية دانيال بليك ، عندما يضيق دانيال ذرعاً بالروتين والبيروقراطية وبالعالم الذي صار محكوماً بإستمارةٍ تملأها هنا أو بطلبٍ تقدمه هناك يغادر مكتب الخدمات العامة ليكتب عريضة إحتجاجه على حائط المبنى بالبخاخ ، كين لوتش يترجم توجهاته اليسارية / العمالية تجاه عدائية الدولة التي يعيش فيها والتي لم يتوانَ عن التعبير عنها مراراً ، هنا من خلال دانيال بليك تأخذ ترجمة هذه التوجهات منحىً مباشراً جداً ، لكنه مع ذلك لا يبدو منحىً مبتذلاً أو وعظياً لأنه يتناسب – بطريقةٍ ما – وبساطة حياة بطله وبساطة ما يريده منها ، ليس لدى دانيال بليك سوى أن يحتج وأن يتكلم ، وهنا – في هذا المشهد الذي يبقى في الذاكرة – يحتج ويتكلم.



19


 مشهد Grandma من فيلم Krisha

بالرغم من أني صرتُ أعيبُ كثيراً حالة التقشّف القصصي البصري التي أصابت السينما الأمريكية المستقلة مؤخراً وتحوّلت إلى ما يشبه الموضة التي لم يستطع هذا الفيلم الفرار منها ، إلا أنه في مساحاتٍ قليلةٍ من حكايته يكسر هذا الطوق وينجو من الإفتعال الذي يحصر نفسه فيه ، تراي إدوار شلوتس يصنع دراما عن العلاقات العائلية مستخدماً عائلته ذاتها ، خالته كريشا فايرشايلد التي تلعب هنا دور أمه ، ووالدته روبن فيرشايلد التي تلعب دور خالته ، إلى جوارٍ أسماء أخرى في العائلة تؤدي أدوارها الحقيقية ، في المحور هناك كريشا التي تعود لقضاء عيد الشكر مع عائلتها بعد 10 سنواتٍ من الغياب ، تخلت كريشا عن ابنها وعاشت محنة الإدمان وعادت الآن لتمد جسوراً لم تعد تعرف هل ما زال هناك أساساتٌ لبنائها ، هذا المشهد المنفّذ في زوم إن ناعمة جداً عند وصول الجدة إلى المنزل هو روح هذا الفيلم ، حالةٌ من إعادة تشبيك العلاقات ، إعادة تقديمها لإمرأةٍ عجوز تجلس على كرسيٍ متحرك وبالكاد تتذكر ، في هدوء نقترب من المشهد بينما تتعرف الجدة على الجميع حتى تطل كريشا ، ابنتها البعيدة التي تخطئ حتى في تمييز اسمها ، جميلٌ ومؤثرٌ وصادقٌ جداً ، واحدٌ من أجمل مشاهد العام عن العائلة والذاكرة والأشياء التي تبقى.



18


 مشهد Drive it like you stole it من فيلم Sing Street

قيمة المشهد تأتي في المقام الأول من قيمة الأغنية ذاتها التي تمنّيت لو كانت ضمن قائمة الأغاني المرشّحة لأوسكار أفضل أغنية كما حدث مع Falling Slowly و Lost Stars في فيلمين سابقين لجون كارني ، في السياق الأغنية موظفة بشكلٍ ممتاز ، من ناحية لتعزيز بناء الشخصية الرئيسية التي تحاول كسر جمود واقعها من خلال تأسيس الفرقة والذهاب أبعد ما يمكن في ذلك لأنك ببساطة لا يوجد لديك ما تخسره وليس عليك في كثيرٍ من الأحيان سوى أن تـ Drive it like you stole it ، ومن ناحية لإغناء البعد العاطفي في العلاقة التي تربط كوزمو ورافينا ، يخططان لتصوير الأغنية القادمة استلهاماً عن فيلم Back to the Future حيث حفل تخرجٍ في مدرسة أمريكيةٍ تأتي فيه رافينا مرتديةً ملابس الخمسينيات في مناسبةٍ كهذه ، رافينا لا تأتي للتصوير فيقرر كوزمو التصوير بدونها بينما بصرهُ معلقٌ بالباب يترقبُ حضورها ، قبل أن يكمل في خياله تصوير الفيديو كما يراه .



17


 مشهد I Drove Over من فيلم Certain Women

في سينماها اختطت كيلي رايكارت لنفسها مساراً خاصاً تناولت فيه شخصياتٍ تعيش يوميات الحياة العادية مستخدمةً المينيماليزم كفلسفةٍ تجرّد تلك اليوميات من الذروات والبنى الهرمية لتطور الحدث ، فعلتها بشكلٍ ألطف في أفلامٍ سابقة مثل Meek’s Cutoff و Wendy and Lucy و Night Moves لكنها تبلغ ذروة تلك الفلسفة في هذا الأنثولوجي الذي قد لا يبدو (سينمائياً) بالمفهوم التقليدي للعبارة ، شخصياتها هنا نساءٌ يعملن في أعمالٍ يقوم بها الرجال بصورةٍ أفضل ! ، يعانين العزلة والـ (لا حدث) ونقص التواصل وربما بعض الفراغ العاطفي (في صورة على 16 ملم) ، لا شيء يحدث في الحكايات الثلاث أبعد مما يحدث في أي يومٍ عادي ، في مشهدٍ جميلٍ يسبق هذا المشهد تذهب فتاة المزرعة بالمحامية الشابة بيث ترافيس - التي تحضر دروسها المسائية على سبيل تمرير الوقت - إلى مطعمٍ للعشاء ممتطيةً ظهر فرسٍ في جولةٍ ليليةٍ مثل فارسٍ وحبيبته ، مثل أي عاشقٍ للمينماليزم تراهن رايكارت على التفاصيل الصغيرة جداً الموجودة في فضاء العلاقات بين شخصياتها ، الحياة هي تلك التفاصيل الصغيرة بين الأحداث الكبيرة ، وهي تفاصيل تجعل شخصيات رايكارت غنيةً دون حاجةٍ لحدثٍ حقيقيٍ أو تحولاتٍ مصيرية ، في هذا المشهد تقود فتاة المزرعة شاحنتها إلى ليفنغستون لتلتقي بيث لمرةٍ أخيرة ، فتاةٌ كسرت روتين حياتها لأسابيع ، لا شيء يقال ، وما لا يقال تبقيه رايكارت لمشاهدها كما تبقيه لبطلتها بيث ترافيس التي هي أيضاً لا تفهم ، بينما وجه ليلي غلادستون يقول كل ما تبقى.



16


 مشهد The Shining من فيلم Demon

واحدٌ من أجمل الأفلام التي شاهدتها خلال العام ، اللعنة التي أصابت هذا الزفاف تشبه اللعنة التي أصابت مخرجه البولندي مارشين فرونا الذي أقدم على الإنتحار في غرفته في أحد فنادق غدينيا أثناء ترويجه لفيلمه هناك ، في الفيلم شيءٌ من فيلم Kontrakt لكشيشتوف زانوسي مع مساحات رعبٍ ذكية وتعليقٍ إجتماعيٍ / سلوكي على فترة الحرب ، أكثر ما أعجبني في هذا النص الذي كتبه فرونا مع بافل ماسلونا عن مسرحيةٍ لبيوتر روفيتسكي هو الأبعاد المعقدة التي استطاع بسلاسة فرضها على العلاقات المختلفة الموجودة بين شخصيات الفيلم مع تقدم الحكاية ، خصوصاً المستوى الذي تتدرج به صورة الحالة التي يمر بها العريس بيوتر في نظر عائلة زوجته من الإسراف في الشراب إلى الإصابة بالصرع إلى الإقتناع أخيراً بأن شيئاً ما (غير طبيعيٍ) يحدث هنا بالتوازي مع إصرارهم على عدم إدراك الحضور لما يجري من خلال إمعانهم في تقديم الشراب للضيوف وتحويل حفل الزفاف إلى متواليات رقصٍ مجنونة ، في عمق هذه المتواليات تبقى قصة هذه الفتاة الغامضة التي اختفت تماماً من القرية قبل أن تعود روحها (الديبوك في فلكلور يهود أوروبا الشرقية) لتتلبس جسد رجلٍ في يوم زفافه ، قبل أن يزيد فرونا في هذا الختام المريب لحكايته غموض ما جرى ويفتحها على الكثير من الأسئلة مع صورةٍ تظهر من بين أنقاض المنزل الملعون – ستذكرك بفيلم كوبريك لا محالة – حيث هانا وعريسها في صورة زفافهما ، لا تدري على وجه الدقة هل كان ما حدث مجرد تشابه بين شخصين ، أم جسداً شيطانياً ظهر في حياة هذه العائلة من حيث لا يدرون ولعب الدور ذاته في زمنين قبل أن يختفي في الختام بحثاً عن مغامرةٍ جديدة ، أم لعنةً عابرةً للسنوات أصابت هذا المنزل الذي بني على الجماجم وعادت لتحيله ركاماً ، ختامٌ أحببته كثيراً.



15


 مشهد Was I Good? من فيلم Sparrows

قبل كل شيء : هناك حراكٌ سينمائيٌ مثمرٌ في أيسلندا خلال العقد الثاني من الألفية ، رغم أنها تبدو بلداً على هامش الصناعة السينمائية في أوروبا إلا أن موجةً غير مقصودةٍ من أعمال صناع السينما الشباب باتت تصل إلى شريحةٍ واسعةٍ من محبي السينما حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية ، نذكر منها Of Horses and Men و Metalhead وSummerland  و Djúpið و Vonarstræti و Rams ، هذه الأعمال – لسببٍ لا أفهمه – تتشارك في مجملها روح الريف الآيسلندي ، المساحات الواسعة المفتوحة ، والحيوانات ، والمنازل المتناثرة ، وعقبات الحياة اليومية ، مبتعدةً قدر المستطاع عن الحياة العصرية خصوصاً في العاصمة ريكيافيك ، هذا فيلمٌ جميلٌ فعلاً عن النضوج الذي يأتي محمولاً على تسلسلٍ موجعٍ من خيبات الأمل ، خيبات الأمل تجاه حياتنا ، وعائلتنا ، ومن نحب ، وما نريد أن نكون ، خيبات الأمل تجاه الحب الأول والقبلة الأولى والعلاقة الجنسية الأولى ، آري شابٌ يعود إلى منزل والده في الريف الآيسلندي بعد رحيل والدته مع زوجها ، في بيئته الجديدة يحاول إعادة تشكيل علاقته مع محيطٍ عاش فيه طفلاً ، يبحث عن عملٍ مؤقت ويقضي أياماً رتيبةً برفقة والدٍ هزمه الزمن يعيش أياماً تشبه بعضها ، يستعيد تواصله مع صديقة طفولته لارا ويحاول بناء عالمه حيث لا شيء يبدو جميلاً أو مغرياً للمشاهد ، خيبة أملٍ بعد رحيل جدته المقربة ، خيبة أمل في تواصلٍ حقيقيٍ مع والده ، خيبة أملٍ في صورةٍ رسمها للعلاقة الجنسية الأولى ، ثم خيبة أملٍ عميقةٍ سببتها ليلةٌ مجنونةٌ تناول فيها مع لارا عقاقير الهلوسة وشاهدها تغتصب أمام عينيه دون وعيها ، يستيقظ صباحاً ويتجرد من ثيابه وينام إلى جوارها ليوهمها عندما تستيقظ أنه كان شريكها في تجربتها الجنسية الأولى.



14


 مشهد It Made Me Stronger من فيلم Kubo and the Two Strings

أحب أيضاً مشهد الحكاية الذي يلي هذا المشهد ، هذا المشهد علاوةً على موقعه المحوري في السرد هو إثباتٌ فج على المستوى العظيم الذي وصلت إليه صناعة أفلام الستوب موشن انيميشن مع فيلم ترافيس نايت هذا ، في كل مرة أشاهده أصاب بالذهول : هل هذا حقاً ستوب موشن أنيميشن !! تفتنني التفاصيل الدقيقة في تصميم شخصياته وطريقة تفاعلها مع فضاء الحدث (وهو يحدث بالتوازي في مكانين : سطح المركب وعمق البحيرة) ، رفاق الرحلة يعبرون بحيرة لونغ بمركبٍ صنعه سحر كوبو من أوراق الخريف المتساقطة ، في مراحل رحلته الثلاثة على كوبو أن يعثر على درع والده الموجود في البحيرة وسط حديقة الأعين التي تكشف لك أسراراً لا تعرفها تبقيك في الأسفل للأبد ، ينزل كوبو ليجلب الدرع ويلحق به الخنفس بينما يدير ترافيس نايت على المركب معركة بين القرد وإحدى خالات كوبو ، المعركة عنيفةٌ فعلاً قياساً لفيلمٍ رسومي وبالتوازي معها يعثر كوبو على الدرع لكنه يقع في حديقة الأعين التي تكشف له حقيقة والدته التي ترافقه في هذه الرحلة دون أن يدري ، قبل أن يقدم لنا الصراع على المركب الكشف الأول من الحكاية بين شقيقةٍ أعمى السواد قلبها فعادت لتنتقم وشقيقةٍ ملأ الحب قلبها فترجمته في حماية ابنها ، مبهر.    



13


 مشهد Kiss of Life من فيلم Evolution

في تجربتين لي مع سينما لوسيل هاجيهاليلوفيتش وجدتُ نفسي قريباً جداً مما تفعله لو قارنت ذلك بعلاقتي بسينما زوجها الأرجنتيني غاسبر نوي ، حكاياها (هنا أو في فيلمها السابق Innocence عام 2004) هي مزيجٌ خاصٌ من الإثارة والسريالية والشاعرية وهو مزيجٌ ينسلُّ من الحكاية ليملأ الصورة ، شيءٌ من روح جان كوكتو لكنه بمسحةٍ سوداوية ، هاليلوفيتش تفتن مشاهدها منذ اللقطات الإفتتاحية البديعة لكاميرا مانويل داكوس تحت الماء ثم تأخذه في رحلةٍ إلى جزيرةٍ غامضةٍ أعادت للذاكرة شيئاً من رواية كازو إيتشيغيرو Never Let Me Go وشيئاً من فيلمها الأول Innocence ، في العمق الكثير من الإيحائية عن حكاياتنا الأزلية ، الخلقُ والخالقُ والأنبياء والمحن والعالم الآخر الذي لا نعرفُ عنه شيئاً ، بعد كل ما جرى ويجري له وكل الأسئلة التي طرحها على نفسه دون إجابة يطوّر الطفل نيكولا علاقة صداقةٍ مع ممرضةٍ تدعى ستيلا ، تتقرب منه وتحضر له أقلام الرسم وتأخذه إلى الشاطىء لتريه الممصات الموجودة في ظهرها وتحاول تجنيبه ألم التجربة التي تنتظره من خلال محاولة إغراقٍ لا تنجح (تذكرنا بغرق طفلٍ في بدايات الفيلم) ، بعد العملية تأخذه مجدداً إلى الشاطىء وتنزل به مجدداً إلى الماء ، هذه المرة لتمنحه قبلة الحياة وتعبر به خارج نطاق الجزيرة حيث يستيقظان على مركبٍ يسير بنيكولا نحو العالم الآخر بينما تعود ستيلا إلى عالمها .



12


 مشهد Like you? من فيلم Fences

لا أدري حقيقةً لماذا تعامل دنزل واشنطون مع سيناريو الكاتب المسرحي الراحل أوغست ويلسن الذي كتبه للسينما عن مسرحيته وكأنما هو كنزٌ لا يجوز التفريط به أو التغيير فيه ، ولا أدري ما الذي قدمه العمل السينمائي ولم يكن يمكن تقديمه في العمل المسرحي ! ، قيمة الإقتباس السينمائي للمسرح يجب أن تنبع في المقام الأول من إدراك قيمة النقل بين وسيطين مختلفين وإدراك الآفاق الواسعة والخيارات الكثيرة المفتوحة أمام المقتبس ، ولا أتحدث هنا متجاهلاً روح الأسيجة المفروضة على الشخصيات أصلاً كما يقول عنوان الفيلم لأنه حتى ضمن تعاطينا مع هذه الروح كان من الممكن أن نحصل على اقتباسٍ أفضل بكثيرٍ مما حدث هنا ، الفيلم هو مسرحيةٌ كاملةٌ من عددٍ محددٍ من الفصول تتصارع فيها الشخصيات في مبارياتٍ حواريةٍ متتالية بين غرفة المعيشة والمطبخ والباحة الخلفية للمنزل كما يحدث في أي مسرحيةٍ من هذا النوع ! فيها الكثير من المباشرة والوعظية والتفاصيل الفائضة ولا شيء من روح السينما ذاتها تستطيع التواصل معه فعلاً هنا ، مع ذلك وفي سياق هذه المسرحية يبقى هذا المشهد (الذي يبدو مهماً منذ اطلاق تريلر الفيلم) هو أهم مشاهد الفيلم وأقوى مفاصله ، اللوحة التي تقول كل شيءٍ عن تروي ماكسون ، الأب الذي خسر أحلامه لصالح ردةٍ أنانيةٍ تشكلت فيه تجاه عائلته وعمله ومحيطه وأبناءه وشقيقه ، مشهدٌ لا يحتاج للكلام عنه لأنه ببساطة يقول كل شيء. 



11


 مشهد Sawano Chuan من فيلم Silence

بالرغم من أن هذا المشهد هو الذروة الطبيعية المنتظرة للفيلم منذ البداية ، لكنني – لسببٍ مجهولٍ – تمنّيتُ عند وصولي إليه تحديداً – بعد ساعتين من المشاهدة - لو أن سكورسيزي كان قد احتفظ بممثليه السابقين (بينيسيو ديل تورو ودانيال داي لويس) من أجل هذا المشهد ، في هذه المواجهة الحوارية بين الأب رودريغز ومعلّمه الأب فيريرا تصل الحكاية إلى منعطفها الأهم ، الحقيقة ، حقيقة كل شيءٍ لم يكن ظاهراً لرودريغز في رحلته الإيمانية هذه ، الصراع الذي عاشه بين إيمانه بالخالق وصمت الخالق تجاه معاناة عباده والذي بطّنه صراعٌ أعمق بين الشكل (المادي) للإيمان وبين (لا مادية) الإيمان ، طوال الرحلة كان مريدو رودريغز يبحثون عن شكلٍ ماديٍ لإيمانهم تجسّد لهم في شخصية رودريغز نفسه ، كانوا يستمدون منه إيمانه بدلاً من أن يستمدوه من اعتقادهم ويقينهم ، عذّبوا من أجله وفرحوا لأنه معهم واستبشروا لأنه وعدهم وأسعدهم اعترافهم بين يديه ، وراء ذلك كبرياؤه هو ، زهوه المتواري ورغبته المدفونة أن يسير على خطى المسيح كترجمةٍ – يعتقدها – للإيمان الحق ، التناقض الذي يضع (الذات) على المحك بين الجوهر والمظهر ، يحدثه ساوانو تشوان (الإسم الجديد للأب فيريرا) عن يومياته ، وعن كتابه القادم ، وعن شكلٍ مختلفٍ من الإيمان يعيشه الآن ، وعن الأكاذيب التي بنيت عليها رحلاتهم التبشيرية في محاولة منح المؤمنين الجدد شكلاً (مادياً) متقبلاً ، وعندما يسأله معلّمه : هل يبدو عليّ أنني مختلف ؟! تبدو هذه الرحلة الإيمانية كلها موضوعةً في هذا السؤال.



10


 مشهد The Man من فيلم The Salesman

أكثر ما أحبه هنا هي عملية التشبيك التي يحرّك بها أصغر فرهادي الحدث بين الشخصيات المختلفة فيه ، والمقدار المختلف من (الحقيقة) المختبىء بين شخصيةٍ وأخرى ، ما بين الزوجة وزوجها ، ما بين زوجها والرجل ، وما بين الزوجة والرجل ، وما بين الرجل وعائلته ، وما بين العائلتين ، هناك كمٌ هائلٌ من الأسرار التي يتركها لنا فرهادي لنستشفها ونفهمها ونفسرها كما يحلو لنا وهذا أكثر ما أحبه في هذا المشهد تحديداً حتى وإن وجدت في تسيير الإثارة في العمل ككل شيئاً فجاً ومختلفاً عما اعتدته في أعمال فرهادي السابقة ، هناك جرعةٌ كبيرةٌ من الاسئلة – ربما أكبر من أي جرعةٍ وضعها في مشهدٍ طوال مسيرته – يضخها فرهادي دفعةً واحدة ، ماذا حدث ؟ ولماذا حدث ؟ وهل ما فهمناه مما جرى هو فعلاً ما جرى ؟ هل يجرؤ الزوج على اخبار العائلة بما فعله رجلهم ؟ هل ستوافقه زوجته في روايته ؟ هل الرجل هو من فعلها ؟ لماذا فعلها ؟ ولماذا ترك المال وراءه طالما أن الأمر كله حدث على سبيل الخطأ ؟ ولماذا يصر الزوج على التعامل مع الموضوع بهذه الصورة ؟ وأسئلةٌ كثيرة سيسألها المشاهد لنفسه يتحطم أي يقينٍ فيها أمام الحدث وأمام النقلات التي تسيّره في المشهد عندما تتلاشى المسافات بين الجاني والضحية فلا تعود تميّز أياً منهما.



9


 مشهد Griffith Observatory من فيلم La La Land

لو أمكن التعامل مع هذا النص كبنيةٍ هرميةٍ فهذا المشهد هو ذروة الهرم الذي تتدافع قبله الأحداث في عالمي سباستيان وميا لتصبح عالماً واحداً مشتركاً بعده ، يدعو سباستيان ميا لمشاهدة عرضٍ سينمائيٍ لفيلم نيكولاس راي Rebel without a Cause لكن الفيلم يحترق في آلة العرض عندما تصل الشخصيات إلى مشهد مرصد غريفيث ، فيأخذ سباسيتان ميا - بناءًا على اقتراحها - إلى المرصد المطل على لوس أنجلوس من جبل هوليوود في امتدادٍ لما حدث في الفيلم ، يمران بجوار ملف تسلا ، يتأملان جدارية هوغو بالين تزين السقف ، يتراقصان حول بندول فوكو ، ثم يزوران القبة السماوية (في أكبر قطع تصميم الإنتاج في الفيلم بعدما رفض طلب التصوير داخل القبة)، قبل أن يكملا مشهد Rebel without a Cause على طريقة Moulin Rouge على أنغام الموسيقى البديعة لجاستن هورويتز ، مشهدٌ ينهيه داميان شازيل بقبلةٍ على Iris in ليبدأ النصف الثاني من الحكاية على Iris out كما فعلت السينما مراراً.



8


 مشهد Tasokare من فيلم Your Name

بنهاية هذا الفيلم صرت لا أستبعد أن أكون سبباً في هزيمة نابوليون في واترلو ! ، الذروة العاطفية للفيلم والذروة السردية كذلك ، كل هذه الأحداث اللغز تتدافع في تسلسلٍ يفتك بالرأس أمام أحجيةٍ لا تحمل شكل الأحجية يلعب فيه الحب والزمن والعوالم المتوازية دور البطولة ، قصة شابٍ يدعى تاكي يدرك أن قصة التبادل الجسدي ثم العاطفة التي شكلها مؤخراً مع فتاةٍ اسمها ميتسوها تقطن في بلدةٍ صغيرةٍ تدعى إيتوموري قد حدثت خارج المنظومة التقليدية للزمن حيث ما عاشه حاضراً عاشته الفتاة معه قبل 3 سنوات على اعتاب نيزكٍ صغيرٍ ضرب بلدتها بعد ذلك وقطع هذا الشكل اللامنطقي من التواصل والذي ينتهي بالإستيقاظ من النوم ، تاكي يبدأ رحلةً غريبةً نحو بلدةٍ لا يعرفها لكنه وجد نفسها يرسمها كما رآها في عمليات التبادل ، لم يتذكر الأسماء ولا الوجوه لكنه يدرك جيداً أن ما حدث كان حقيقياً جداً ، عندما يقف على مكان سقوط النيزك تقوده خطاه إلى حيث وضعت ميتسوها شراب الساكي الذي اشتهرت به بلدتها ، يتناوله آملاً في أن تمنحه آلهة الأرض (الموسوبي / إلى حيث ينتهي كل شيء) فرصة تواصلٍ أخيرةٍ تجعله يغيّر مصير حبيبته قبل 3 سنوات ، يحدث التبادل الجسدي الأخير الذي يدفع تاكي (في جسد ميتسوها) لمحاولة انقاذ بلدتها قبل أن يتذكر أن هذا التبادل يعني أن ميتسوها (في جسده) تنتظره هناك عند الضريح ، على شفا الحفرة التي خلفها النيزك يلتقيان ، ميتسوها (في جسد تاكي في الزمن الحالي) وتاكي (في جسد ميتسوها قبل 3 سنوات) ، يشعران بوجود بعضهما ، يركضان في الفراغ باحثين عن بعضهما ، قبل أن تسمح لحظة الشفق (التاسوكاري حيث تتساوى الأبعاد والأزمنة) لتاكي (في جسده) بلقاء ميتسوها (في جسدها) ، لحظةٌ قصيرةٌ لا تتيح لأي منهما أن يحتفظ بإسم الآخر ، اللقاء العابر الذي سيستحوذ عليهما لخمس سنواتٍ / ثمان سنواتٍ أخرى !.   



7


 مشهد Time من فيلم The Red Turtle

التعبيرية والإنطباعية والرمزية والتجريدية تتراقص في هارموني شرقي غربي جمع ستوديوهات غيبلي بلوحات الهولندي ميخائيل دودوك دي فيت المخططة بفحم الرسم والمتدرجة بين اشباع الألوان المائية ودرجات الرمادي على أنغام موسيقى تصويرية عظيمة من لوران بيريز ديل مار ، واحدة من أجمل متواليات هذا الفيلم تحدث بعد الطوفان الذي ضرب هذه الجزيرة وبعد إحراق ما تبقى من سيقان البامبو التي دُمِّرت غاباته ، خمس دقائق صامتة (حتى بمفهوم الموسيقى التصويرية للفيلم) نتأمل فيها تأثير الزمن والوحدة والهرمونات على الإبن ، يعثر على الزجاجة التي رافقته منذ كان طفلاً قبل أن يفقدها في الطوفان ، نراقب ايقاع حياته حيث اللاشيء ، الشروق والغروب والوقت واللحية الخفيفة التي ظهرت على وجهه ، حلمٌ غريبٌ يراوده عن سورٍ من مياه المحيط أحاط بالجزيرة وحجب ما وراءه ، يسبح بإتجاهه ويتسلقه ليرى والده ووالدته يلوحان له من بعيد قبل أن يلتفت بإتجاه الشمس حيث العالم الآخر الذي لا يعرف عنه شيئاً ، يراقب والدُه من بعيدٍ وحدته ، بينما هو في صمت يخبر والديه بما يحدث له ، وفي الصباح يغادر إلى اللامكان ، يا لجمال السينما !



6


 مشهد Papa من فيلم Toni Erdmann

هي في الواقع متواليةٌ تبدأ بحفلة عيد الميلاد المجنونة ، قيمة المشهد في الأساس تكمن في كونه يبدو ذروةً لفيلمٍ لا يحتوي على ذروة بقدر ما يحتوي تسلسلاً من المواقف المرصوفة بجوار بعضها وربما موقعه ضمن هذا التسلسل وتسويق الفيلم من خلال صورته (الأيقونية) أعلاه قد ساهما في جعله مشهداً مرتقباً قبل مشاهدته حتى ، مع ذلك هذه المتوالية قائمةٌ بذاتها ، مجنونةٌ وغريبةٌ ومؤثرةٌ وتتذكرها حتى لو لم تتذكر أشياء أخرى كثيرة في الفيلم ، عندما تفشل إينيس في تغيير الملابس التي ارتدتها لعيد ميلادها في الوقت الذي عليها أن تفتح الباب لضيفها الأول تحوّل الحفلة إلى حفلة تعرٍ غير متوقعة كحال الكثير مما تفعله في حياتها ، تختلف ردود فعل ضيوفها لكن بعضهم يرضخون للفكرة ، في لحظة نكون شاهدين على وينفريد وإينيس في (شكلين) مختلفين عما عرفناهما ، وينفريد (يرتدي) وإينيس (تتجرد) ، ليس ما أراد أن يراه فيها وليس ما توقعت أن تراه فيه ، عندما يغادر وينفريد الحفلة وتدرك إينيس ما يريده والدها طوال مطاردته المبتذلة لها تغادر الحفلة ، تتبعه في هدوء ، تراه يجلس في منتزه بينما طفلةٌ صغيرةٌ تلاعبه ، تنظر له في إمتدادٍ يبدأ عندها ويمر بالطفلة وينتهي إليه ثم تركض وكأنما تقفز في الزمن (حيث الطفلة في المنتصف) لتحضن والدها في أكثر (صورةٍ) لا يبدو فيها كوالدها ، اللحظات الصغيرة المختلسة التي لا تعني شيئاً لكننا نحتاجها من حينٍ لآخر.




5


 مشهد Another Day of Sun من فيلم La La Land

أجمل افتتاحية لفيلمٍ سينمائيٍ طوال العام كله ، من المبهج أن تبدأ الفيلم على زحامٍ مروريٍ على أبواب لوس أنجلوس يتحول إلى متواليةٍ أستعراضيةٍ فاتنة كهذه ، الطريف أنه في مرحلةٍ ما كان من المقرر أن يكون هذا المشهد هو المشهد الثاني في الفيلم ، وفي مرحلةٍ أخرى قرر شازيل أن يزيله تماماً من الفيلم قبل أن يقرر أثناء المونتاج أن يفتتح فيلمه به لأنه رأى – كما يقول المونتير توم كروس – بأن وضعه بعد الإفتتاحية سيبطىء إيقاع الحكاية علاوةً على أنه بحاجةٍ ليعلن فيلمه كعملٍ موسيقيٍ منذ اللحظة الأولى ، من الجيد أن هذا قد حدث ، هذا المشهد يفرض فيه داميان شازيل شخصية فيلمه على مشاهده قبل أن يبدأ رحلته معه ، يفرض أولاً قيمة النوستالجيا في الفيلم من خلال استلهام المتواليات الإستعراضية القديمة ذات اللقطة الواحدة أو متواليات الإستعراض المجنونة التي تبدأ في أي مكانٍ وأي لحظة ويشارك فيها الجميع ، ويفرض ثانياً قيمة عمله كفيلمٍ موسيقيٍ غنائيٍ يستخدم روح القديم لتقديم الشيء المختلف ، ويقدم له ثالثاً روح الحكاية عن أرض الأحلام التي يصطف أمامها الحالمون آملين في أن تبتسم لهم حتى وإن سحقت الكثير قبلهم ، قبل أن يستخدمه رابعاً ليقودنا في هبوط كاميراه لنلتقي إثنين منهم هما بطلا هذه الحكاية ، المشهد ست دقائق مبهجة وحميمية وتملأ السمع والبصر بفضلٍ كلمات بينج باسك وجاستن بول وموسيقى جاستن هورويتز وتصميم الإستعراض البديع من ماندي مور ، أشياء تبقى في الذاكرة.



4


 مشهد Jimmy’s من فيلم Moonlight

أحب هذا المشهد كثيراً ، يقول باري جينكينز بأنه يشاهد كل أنواع الأفلام كي يعثر هنا وهناك على أشياء أو تفاصيل يمكن له أن يوظفها في فيلم ، وأعتقد أن هذا المشهد قائمٌ في الأساس على هذه التفاصيل التي التقطها هنا وهناك ، هذا المشهد يمكن أن يمر بسهولة لكن جينكينز لا يجعله كذلك ، قطعةٌ خاصةٌ بالغة الأناقة ضمن رحلة اليقين هذه ، يتغير الإيقاع بمجرّد أن يدخل بلاك إلى المطعم الذي يعمل فيه كيفن ، فاصل التغيير هو جرسٌ صغيرٌ معلّق أعلى الباب ننتقل معه إلى مودٍ مختلف مستثمراً إيقاعاً أهدأ للسرد وحميميةً أعلى (الأعلى في الفيلم كله) على مستوى الصورة لا تخفي تأثره الواضح بالسينما الأوروبية وبسينما وونغ كاراواي ، الكاميرا تملأ فراغ الحوار في المشهد ، تجاور بلاك وتتحرك معه ثم تضعه في الـ Blur لتضع كيفن تحت الفوكس ثم تعود إليه بعدما تحقق هذا الربط بينهما قبل أن تعزل - من خلال الفوكسة - الشخصيات عن محيطها لتصبح الخلفية في العمق أشبه بلوحةٍ زيتية ، شريط الصوت الذي يتضمن أريثا فرانكلن و كايتانو فيلوسو يساند ذلك المود ، والإضاءة والألوان ومساحات الصمت تغني الكثير مما لا يقوله بلاك ، وبالتأكيد زوم إن جميل (مع صوت الشارع يكسر مود المشهد) عندما يتأمل بلاك باب المطعم مطولاً وكأنما يفكر في الرحيل ، مشهد كلاسيكي.



3


 مشهد My Heart was Broken من فيلم Manchester by the Sea

أحياناً .. مشهدٌ واحدٌ يكفي ! واحدٌ من المشاهد التي كنتُ أنتظرها في قائمتي قبل فترةٍ طويلةٍ جداً من مشاهدة الفيلم وقبل أن أعرف أي تفصيلٍ عنه ، قيل الكثير عن هذا المشهد في ساندانس مطلع العام الماضي ، جمال هذا المشهد في نظري هي المشاعر التي تنفجر فجأة ودون سابق إنذار عندما ندرك – وكأنما نفاجأ – أن ريندي هذه التي تقف الآن أمام زوجها السابق لي شاندلر (نصيرنا في الحكاية) هي أيضاً في الواقع شريكته في كامل عذابه دون أن ترتكب جرماً أو تكون سبباً فيه ، الثواني التي تمر ونحن نشهد بقايا ألم هذه الأم التي خسرت أبناءها الثلاثة في لحظةٍ مجنونة (ولا أدري لماذا يحدث ذلك مع ميشيل ويليامز مجدداً بعد Shutter Island !) ، الصوت المتلعثم والكلمات المبلوعة والإنفعال البالغ تجاه رجلٍ فقدته في اليوم الذي فقدت فيه أبناءها ، تقف أمامه وفي قلبها الكثير من الحب ، وكأنما كانت تلك السنوات الماضية مرحلة تطهيرٍ قاسيةٍ من ألم ما جرى ، مرحلة حاولت فيها أن تتجاوز آلامها وتبدأ حياةً جديدة وتتزوج وتنجب ، عندما نستمع إليها هنا ندرك أن ما حدث لم يكن لأنها تجاوزت الأمر أو نسيته وإنما يحدث لأن الحياة لا تقف عند شيء وهو ما تريد من لي أن يدركه ، أمامها يقف لي ، جثةٌ خسرت كل شيء تتحرك في المدينة ، رجلٌ لا يريد لأحدٍ أن يرفّه عنه أو يرثي له أو يسامحه لأنه هو نفسه بعد كل هذه السنوات لم يسامح نفسه ولأنه (لم يعد هناك شيء) كما يخبرها ويمضي.



2


 مشهد Epilogue من فيلم La La Land

الخاتمة الأجمل لأي فيلمٍ قدمه عام 2016 ، متعةٌ سينمائيةٌ خالصة ، مقطرة ومعتقة ومعبأة في عشر دقائق لا تنسى ، في المشهد تلتمس روح فيلم سيدني بولاك The Way We Were محكيةً في إطار فيلم مايكل كورتيز Casablanca عبر استلهامٍ بصريٍ للمتوالية الإستعراضية الطويلة قرب ختام فيلم فينسنتي مينيللي An American in Paris ، بعد خمسة أعوامٍ – تُركت لخيالنا – نعرف أن ميا تابعت حياتها لتصبح نجمةً سينمائيةً معروفة وتزوجت وأنجبت ، واستكمل سباستيان مطاردة حلمه بإفتتاح نادٍ للجاز يعيد فيه كل مساء تقديم موسيقاه التي يحب للجمهور ، تدخل ميا مع زوجها إلى نادي سباسيتيان في تحيةٍ عظيمةٍ لريك وإلسا في فيلم مايكل كورتيز ، تجلس هناك لتسمع لحنهما الأثير حيث المسافة والذكرى وأشياء بقيت في القلب ، يأخذنا تسلسلٌ مونتاجيٌ فاتن مع الموسيقى العظيمة لجاستن هورويتز لنسترجع خمس سنواتٍ مثاليةٍ لم تكن ، الأشياء التي نفقدها في مسعانا لنكون ما نحن عليه ، الأشياء التي أفلتت هنا وهناك لكنها بصورةٍ أو بأخرى صنعتنا ، في الختام ننتهي – كما يحدث في فيلم سيدني بولاك - على الكثير من ود السند ورضاه وتقبله ، إبتسامةٌ بين حالمين ساندا بعضهما في يومٍ من الأيام و It’s Ok ، نوع النهايات التي أحبها ومشهدٌ أنا ضعيفٌ جداً أمامه.



1


 مشهد The Will من فيلم Manchester by the Sea

لا يوجد فيلمٌ من أفلام 2016 محمولٌ على قيمة متواليةٍ معينةٍ فيه كما هو هذا الفيلم مع هذا التسلسل الذي كتب عنه الكثير ، القيمة الأهم برأيي في هذا المتوالية هو توظيفها كشفاً محورياً في الحكاية هو معرفة لي بوصية شقيقه ومعرفتنا نحن برفضه لها ثم حاجتنا لمعرفة السبب الذي يجعل وصيةً مؤمنةً كهذه شيئاً لا يحتمل بالنسبة لشخصية لي ، هذا الكشف المحوري في الحاضر (معرفة الوصية) سيتوازى كحال جميع مشاهد الفلاشباك في الفيلم مع كشفٍ محوريٍ آخر في الماضي ، لونرغان يحصّن فيلمه بعبقريةٍ من الإفتعال ، لديه الكثير ليقوله عن ماضي لي ، ولدى لي الكثير مما ينتظره في حاضره في مانشستر ، لونرغان يجعل ما يجري في الحاضر مدخلاً لما حدث في الماضي ، ليس فقط ليخدم الشكل (التوازي الزمني كحيلةٍ سردية) ولكن أيضاً ليغني المضمون عن التداخل بين الماضي والحاضر وبين ما فعلناه وما سنفعله ، وكأنما الحاضر الذي يثقل كاهل بطلنا هو ما يستدعي الماضي الثقيل الذي هرب منه ، والنتيجة فيلمٌ قصيرٌ من ربع ساعة - بين دخول لي وباتريك إلى مكتب المحامي وخروجهم منه - بقدر ما يحمل قيمةً جوهريةً في زلزلة الحدث بقدر ما يحمل قيمةً فنيةً قائمةً بذاتها في التقطيع والكشف وتوظيف الموسيقى التصويرية والاستعارة البصرية يستثمرها لونرغان بفعالية – في درسٍ سينمائيٍ مكتمل – لتوليد كتلةٍ هائلةٍ من المشاعر في مشاهده تغني علاقته بشخصيته الرئيسية وتعزز اقترابه منها ومحاولة فهمها ، علاقة المشاهد بما يجري قبل هذه المتوالية ستتغير بشكلٍ كامل بعدها ، الذروة العاطفية الأجمل لسينما 2016 وأكثر ما سأتذكره من هذا العام عندما ينتهي كل شيء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق